69 حالة طلاق يوميا، أي 24945 صك طلاق سجلتها وزارة العدل، وذلك في أحدث إحصائية رصدتها على مستوى المملكة، أما آفة العنوسة فهي النسبة الضائعة عن الإحصاء الدقيق، في الوقت الذي رجحت فيه تقارير صحافية مستندة على أرقام وزارة التخطيط أن عددهن بلغ نحو 1.5 مليون عانس.
أمام هذه الأرقام المفجعة نقف حائرين أمام طوابير طويلة من النساء المطلقات والعوانس اللواتي يعشن بيننا دون أن نلتفت لمعاناتهن ونعرف أسباب هذه الازياد المضطرد في أعدادهن والطريقة المثلى لمواجهة هذه الكارثة المجتمعية.
وأبدى مختصون اجتماعيون اعتراضهم على الإحصاءات واصفينها بعدم الدقة، ومبينين أن إحصائية وزارة التخطيط أبانت أن الفتيات اللواتي لم يتزوجن فوق 15 سنة بمعنى أن بعضهن لم يصلن بعد سن العنوسة والتي تقدر بسن 30 وبحساب عدد الفتيات اللواتي لم يتزوجن من فوق سن 30 كانت الحسبة أكثر من مائة ألف فتاة بمعنى وقوع بعض الباحثين في خطأ فادح لعدم التفاتهم للرقم الحقيقي لأعداد العانسات وفق الفئة العمرية.
لكن فريقا آخر من العاملين في ميدان القضايا الأسرية والاجتماعية يتهم هذا الرقم بعدم الدقة لمرور ثماني سنوات على هذه الإحصائية وأن عدد العوانس في المجتمع أكثر من ذلك بكثير.
ويرد مختص في الإحصاءات (فضل عدم الإفصاح عن اسمه) أن نسبة الخطأ في إحصاءات وزارة التخطيط لاتتجاوز 20 في المائة على أبعد تقدير، وأن الباحثين يبالغون في أرقام العنوسة دون الاستناد إلى مصادر علمية، مشيرا إلى أن المشكلة لا تكمن في العنوسة وإنما في تأخر سن الزواج بسبب ظروف الحياة الحديثة.
وهنا يشير المسؤول عن موقع «زواج» على شبكة الإنترنت خالد الهميش، إلى تنامي نسبة عدد الفتيات العوانس واللاتي بلغن مليونا و800 ألف فتاة لم تتزوج، وهن تجاوزن سن الثلاثين، محذرا من خطورة هذا الوضع قائلا إنه يجب معالجته.
في زحمة الجدل حول إعداد العانسات في المجتمع تبقى الحاجة ملحة لوجود إحصائية دقيقة وعلمية حول أعداد العانسات والسبب الرئيس للعنوسة في المجتمع وطرق حلولها.
وعلى الطرف الآخر سجلت نسب الطلاق إنخفاضا نسبيا عن الأعوام الماضية إذ بلغت حالات الطلاق وفق وزارة العدل 28867 حالة عام 1429هـ، لتنخفض عام 1430 هـ لـ 26515 حالة ثم لتنخفض مجددا إلى 24945 عام 1431هـ وفي كل الأحوال فإن الرقم مازال كبيرا وبحاجة لإيجاد حلول عاجلة للتقليل من حالات الطلاق التي تسبب شرخا كبيرا في المجتمع، فقد ذكرت مديرة وحدة الأبحاث في مركز الدراسات الجامعية الدكتورة نورة الشملان أن معدل الطلاق ارتفع من 25 في المائة إلى أكثر من 60 في المائة خلال الــ 20 عاما الماضية.
وتزداد الحاجة لوضع حد لتنامي اعداد المطلقات والعوانس إذ أخذن في الاعتبار أن الآثار النفسية والاجتماعية على النساء والفتيات مما يوجب الوقوف معهن والانتصار لهن وإيجاد حلول عملية لمعاناتهن.
ولعل من الآثار السلبية لانتشار عدد كبير من المطلقات والفتيات اللواتي لم يتزوجن في المجتمع سهولة وقوع بعضهن ممن غاب عنهم الوزاع الديني والترابط الأسري في فخ الذئاب البشرية والعلاقات المحرمة.
فقد كشفت دراسة أعدتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العام الماضي عن هروب الفتيات أن النسبة الأكبر من الموقوفات على ذمة قضايا الهروب من المنازل من غير المتزوجات «العازبات» بنسبة 52.3 في المائة، تليها فئة المطلقات بنسبة 28.4 في المائة، واظهرت الدراسة أن النسبة الكبرى من الهاربات تندرج في الفئة العمرية «بين 16 و20 سنة» بنسبة «51.4 في المائة»، تليها الفئة العمرية «بين 21 و25 سنة» بنسبة «38.5 في المائة».
وكشف الدليل الإحصائي لوزارة الداخلية ضبطها لـ 14729 قضية نسائية عام 1430 هـ معظمها لنساء غير متزوجات أو مطلقات وفق مصدر في هيئة التحقيق والادعاء العام، هذا بخلاف ما تتسبب به العنوسة والطلاق من آثار سلبية كتشتيت الأسر وانتشار العلاقات الخاطئة وظلم للفتيات المعضولات وغيرها من الأمور السلبية التي تشكل خطرا على أمن المجتمع وسلامته.
كل هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر بضرورة الالتفات إلى هاتين الفئتين في المجتمع ومعرفة أسباب انتشار العونسة والطلاق والحد منها حفاظا على سلامة الأسرة والتي تشكل النواة الأولى في مجتمع سليم.
«عكـاظ» فتحت ملف انتشار الطلاق والعنوسة في مجتمعنا وأسبابها والآثارة السلبية التي تتركها على المرأة والمجتمع وطرق الحلول، وواجهت الجهات ذات العلاقة بدورها في حل المشكلات الأسرية وتزويج الفتيات والشباب وخلصت بالتوصيات في سياق التحقيق التالي:
ظواهر مزعجة
بداية، يؤكد مدير التوجيه والتوعية في وزارة الداخلية الدكتور سعد اللحيد على تنامي أعداد المطلقات والعوانس في المجتمع بشكل مزعج.
وأرجع اللحيد أسباب الطلاق لسوء الاختيار بين الطرفين والتعجل، إضافة لانشغال الزوجين عن بعضهما بمشاغل الحياة وقلة التفاهم وتدخل الأهل واختلاف المستويات التعليمية وقلة خبرة الزوجين وعدم نضوجهم، وإصرار الزوجة على إكمال دراستها على حساب زوجها وأولادها.
ورأى اللحيد أن من أسباب تفشي الطلاق الغيرة المبالغ فيها وسوء الظن من كلا الطرفين بالآخر، وشدد مدير التوجية والتوعية على أن تعاطي المخدرات من أكبر أسباب تفشي الطلاق في المجتمع، إضافة لغياب النظرة الشرعية، وتغليب العادات والتقاليد على الشرع، وانتشار وسائل التقنية الحديثة.
ولاحظ اللحيد أن انتشار ثقافة الطلاق في المجتمع رفعت عدد الحالات، مما جعل كلمة الطلاق متدوالة على ألسنة الرجال بشكل عادي دون معرفة آثار تكرار هذه الكلمة على الأسر والمجتمع.
وأبان مدير التوجيه والتوعية في وزارة الداخلية أن غالبية المطلقين لايعرفون معنى الطلاق الشرعي وهو أن يطلق الرجل زوجته في طهر لم يجماعها فيه، مبينا أن كثير من حالات الطلاق تحدث في حالات الغضب دون معرفة هذا الشرط والتحري عنه مما يؤدي إلى خروج الزوجة من المنزل بينما يجوز أن تبقى المرأة في منزلها، بحيث إذا جامعها زوجها عادت إليه مما يعني تلاشي الخلاف وعودة المياه لمجاريها في الوقت الذي تؤدي خروج المرأة من منزلها إلى تدخل الأهل وتعجل بالطلاق النهائي بين الزوجين.
وأفاد اللحيد أن للعنوسة أسبابا كثيرة منها تأخر المراة في دراستها ووضع مواصفات معينة لفارس أحلامها والمغالاة في المهور وتكاليف الزواج الباهظة، والحجر على البنات وعضلهن.
ورأى أن التعدد يعتبر جزءا من الحل، إضافة لضرورة التهاون في تكاليف الزوج وخفض المهور وتغليب المعايير الشرعية في الزواج على العادات والتقاليد.
وأكد مدير التوجيه والتوعية في وزارة الداخلية أن انتشار العنوسة والطلاق في المجتمع تؤدي إلى مشكلات كثيرة منها تشتت الأسر وضياع الأولاد والوقوع في العلاقات المحرمة، مطالبا كل الجهات المعنية المدنية والحكومية بضرورة التعاون للحد من تنامي أعداد المطلقات والعوانس.
التقنية الحديثة
وحمل رئيس لجنة التكافل الأسري الدكتور غازي الشمري التقنية الحديثة مسؤولية انتشار الطلاق والعنوسة في المجتمع، مؤكدا على أنه ساهم في زعزعة الثقة بين الأزواج من جهة وبين الشباب والفتيات المقلبين على الزواج من جهة أخرى.
وأكد الشمري على أن 60 في المائة من نسب الطلاق بسبب وسائل التقنية من الجوالات والإنترنت، التي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي فخا لسقوط كثير من النساء والرجال في علاقات محرمة، وأبدى الشمري تخوفه من الوصول لمرحلة يقفد فيها الرجل ثقته بزوجته والعكس، وكذلك الشباب المقبلين على الزواج بالفتيات من هول ما يسمعون ويرون بسبب وسائل التقنية.
ويشير الشمري، إلى وجود اختلاف حول كلمة العنوسة، فهناك من يصنف الفتاة التي تجاوزت الخامسة والعشرين بأنها عانس، بينما يرى فريق آخر أن من تجاوزت 30 عاما ولم تتزوج هي فتاة عانسة، وأضاف «على كل الأحوال فإنني أؤكد أن أكثر من مليون امرأة تجاوزت سن الثلاثين ولم تتزوج».
ودعا الشمري إلى ضرورة وضع حلول للعنوسة منها التشجيع على التعداد، ومحاربة العادات والتقاليد البالية التي تجبر الأب على تزويج البنت من أبناء قبيلتها فقط، واقترح الشمري أن يتم تزويج السعودية من الرجل العربي إذا كان صاحب خلق ودين وعمل جيد.
وشدد على ضرورة تخفيف غلاء المهور، وإعادة ثقة الرجل السعودي بالفتاة السعودية، بعد أن اتجه كثير من الرجال للزواج من أجنبيات، مطالبا في الوقت نفسه بتشديد وزارة الداخلية بمنع زواج السعوديين من الخارج للحاجة الملحة.
الآثار النفسية
واتجه رئيس لجنة التكافل الأسري للفتيات بضرورة أن يترددوا على أماكن تجمع النساء مثل دور تحفيظ القرآن والملتقيات النسائية المحافظة حتى ترى الفتاة، وبالتالي تكون فرصة زوجها أكبر، واقترح الشمري، أن تمنح الدولة مكافأة مالية لمن تزوج بإمراة تجاوزت سن الثلاثين، كما دعا وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة العدل بمنح المقبلين على الزواج دورات يعطى على أثرها رخصة القيادة الزوجية، كما يحدث في ماليزيا للحد من حالات الطلاق، مطالبا الباحثين بضرورة تكثيف الدراسات والأبحاث حول هاتين الظاهرتين وبيان آثارهما النفسية والاجتماعية على المرأة والمجتمع.
وهنا توضح الإخصائية النفسية الدكتور بلقيس الفضلي الآثار النفسية على المطلقات والعوانس بقولها «نحن كمجتمع عربي ذكوري مازال يختزن موروثا جاهليا يجعله ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة دونية يسقط عليها تبعات الطلاق ويحملها كامل المسؤولية»، داعية إلى تعامل إنساني مع هذه الفئة يتناسب مع آدميتهن.
وأفادت الفضلي، أن أكثر ما تعانيه المطلقة هو خوفها من نظرات الناس وكلامهم، حيث تبدأ في تحسس أحاديث الناس وما يقولونه عنها وعن سبب طلاقها، وتبدأ هي بتلقي عبارات الإيحاءات السلبية مثل إنها هي الفاشلة وهي التي لم تتمكن من المحافظة على زوجها وبيتها وأن العيب فيها وليس في الرجل، مؤكدة أنه في نهاية المطاف سوف ينصرف عنها المجتمع ويهملها وتقبع هي في حسرة معاناتها النفسية والاجتماعية. وأشارت الفضلي، أن آثار الطلاق لاتقف على المطلقة، بل تمتد لأطفالها، حيث يصابون بالقلق والاكتئاب، ثم الفشل في الدراسة والادمان على المخدرات، وتدني نسبة الذكاء، طفولة هشة وغير مستقرة، الإحساس بتهديد ذاتي وعدم استقرار نفسي.
وتتابع الباحثة النفسية والتربوية الدكتورة ميسون الدخيل حديثها عن الآثار السلبية للعنوسة على الفتاة، ومنها الشعور بالإحباط والحرمان، العدوانية، العزلة والانطوائية، حرمان الإشباع الفطري، فقدان التوازن النفسي.
مشيرة إلى أن للعنوسة اثار صحية كالتوتر العصبي الدائم، اختلال وظائف الغدد، إضافة لإدمان المنبهات أو المسكنات، أو الإصابة بمصاعب الزفاف أو مشكلات المعاشرة بعد الزواج.
الأضرار المجتمعية
وحول الآثار الاجتماعية للطلاق والعنوسة على المرأة والمجتمع بين أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود عضو مجلس الشورى الدكتور إبراهيم الجوير، أن الفتاة العانس تحاول التسرع في الزواج وذلك للخلاص من شبح العنوسة بغض النظر عن التكافؤ أو مناسبة الزوج، بل قد تقبل بعض العوانس بعرض الزواج العرفي أو الزواج منقوص الحقوق مثل (زواج المسيار).
وأبان الجوير، أن للعنوسة آثارا اجتماعية على المجتمع كقلة النسل، والتفكك الأسري بسبب المشكلات الناتجة عن تحميل كل طرف مسؤولية هذا الوضع، واتهام الفتاة والدها أو أخوتها بالذنب، أو بسبب أنانية الأهل وتخليهم عن رعاية الفتاة العانس لانشغال كل فرد بمسؤولياته وحياته الخاصة، إضافة لضعف الروابط الاجتماعية، مؤكدا من آثار العنوسة انتشار الطلاق حيث تندفع الفتاة العانس في الغالب إلى الزواج غير المتكافئ للخلاص من واقعها، وقد يحدث ذلك من جنسيات أخرى، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى الطلاق.
ويحلل الجوير انتشار العنوسة بقوله: إن ذلك عائد لجملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي أسهمت بذلك، مشيرا إلى أنه قد أجرى دراسة بحثية حول ذلك وتبين أن 54 في المائة من الشباب الجامعي يرى أن مواصلة تعليمه الجامعي تقف عائقا أمام الزواج أثناء الدراسة الجامعية، وأن النسبة العظمى من الشباب يفضلون مواصلة تعليمهم الجامعي على الزواج.
وأضاف الدكتور الجوير أن ما يقارب من 60 في المائة من الجامعيين يرون أن المغالاة في تكاليف الزواج هي العائق الرئيس أمام زواجهم، مشيرا أنه وبحسب الدراسة التي قام بها فإن 85 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع اعتبروا أن المسؤوليات المترتبة على الزواج تعد العائق الرئيس أمام زواجهم، وأن غلاء المهور يعد أيضا من بين العوائق الأخرى لتأخير الزواج بحسب 75 في المائة من هؤلاء.
وأفاد 44 في المائة من الجامعيين بأن قلة دخل أسرهم تؤثر على عزوفهم عن الزواج المبكر، في حين اعتبر 18 في المائة من الجامعيين أن عدم توفر السكن الملائم هو أحد الأسباب الرئيسة لتأخر الزواج نظرا لرغبتهم في الاستقلال بالسكن عن أسرهم.
وفيما يخص الطلاق أبان الجوير، أن المشكلات الاجتماعية للمطلقة كثيرة، بدءا من نظرة المجتمع الدونية مرورا بالآثار السلبية على الأطفال وأسرة المطلقة، وشدد الجوير على ضرورة أن تتعاون كل الجهات الحكومية والمدنية للحد من انتشار الطلاق والعنوسة، بما فيها مجلس الشورى والشؤون الإسلامية ووسائل الإعلام والعدل والجمعيات الاجتماعية والمراكز البحثية، بحيث تؤدي كل جهة دورها بفعالية خلال الفترة المقبلة.
دور الشورى
بدوره، اعترف عضو لجنة الأسرة والشباب في مجلس الشورى الدكتور طلال بكري بعدم مناقشة المجلس لهذه القضيتين المهمتين، مؤكدا أنه لم يصلهم أي شيء يتعلق بارتفاع نسب العنوسة والطلاق في المجتمع، مبينا أن التقارير التي تناقش من قبل المجلس وترد من الوزارات تكون كبيرة جدا ومن الصعوبة قراءتها بشكل كامل؛ لذلك فإن بعض المسائل قد تغيب عن المناقشة بشكل مباشر.
وأفاد بكري أن آلية المجلس في مناقشة المواضيع قائمة على مايصلهم من لجنة العرائض أو مايحال إليهم من تقارير حكومية وأنظمة واتفاقات، وشدد عضو مجلس الشورى على أن هناك قصورا في مناقشة هذين الموضوعين، وشدد بكري على أهمية أن تشارك مؤسسات المجتمع المدني مع الجميعات التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية في إيجاد حلول لارتفاع نسب الطلاق والعنوسة في المجتمع.
وتدافع عضوة الجميعة الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور سهيلة زين العابدين، عن دور الجميعة في الحد من نسب الطلاق والعنوسة، مبينة أن دور الجمعية يكمن في التدخل لإقناع أولياء أمور الفتيات المعضولات، وبالفعل نجحت الجميعة في تزويج كثير من الفتيات، إضافة لرفع الظلم عن المتضررات بسبب العادات القبلية محملة شيوخ القبائل جزءا من المسؤولية برفع المهور وإجبار الفتيات على تزويج بناتهن من نفس القبيلة مما يتسبب في انتشار العنوسة.
وهنا أشار سعيد آل مسلي القرني أحد شيوخ قبيلة بلقرن عن بادرة جديدة للتخفيف على الشاب والتشجيع على الزواج ومحاربة العنوسة في القبيلة، عندما حددوا مهر الفتاة البكر بحيث لا يزيد على 8000 ريال للبكر، و6000 ريال للثيب، ووضعوا عقوبات صارمة لمخالفي نظام المهر الذي تم تحديدة، مطالبا أفراد القبيلة بعدم التوسع في ليلة الزفاف بقدر المستطاع والسعي على أن لا تتجاوز مراسيم الفرح منتصف الليل، مبينا أنه لضمان تطبيق النظام على الجميع شكلت القبيلة لجنة لمتابعة المخالفات المتعلقة بالمهر المنصوص عليه، وتقوم بأخذ «القسم من العريس ليلة زفافه، بأنه لم يزد على المهر المتفق عليه» سرا أو علنا، ونهجت هذا المنهج في جميع زيجاتها، ومن يخالف ذلك تعزله القبيلة ولا تشاركه في أي أمر يحدث عليه هو وأسرته، وتسعى القبيلة من هذا المنطلق إلى التخفيف على الشباب والمساعدة لهم، وكذلك الحد من عنوسة الفتيات.
استرجاع الحقوق
وبالعودة للدكتورة سهيلة زين العابدين، شددت على أن حقوق الإنسان حريصة على الوقوف مع أي فتاة واسترداد حقوقها، نافية في الوقت نفسه تشجيع الفتيات على التمرد وطلب الطلاق، مؤكدة أنها تحاول أخذ حقوقها دون التأثير على حياتها الزوجية إلا إذا كان الطلاق في مصلحتها، مثل تعرضها للضرب المبرح والعنف الجسدي، مشددة على أن الجمعية لا تقبل أي شكوى دون التحقق منها، وأبانت زين العابدين إلى أن حقوق الإنسان رصدت العديد من حالات لظلم لنساء مطلقات وساعدتهن في محاولة استرداد حقوقهن.
وأشارت زين العابدين، إلى أن الظواهر الاجتماعية السلبية مثل الطلاق والعنوسة سبق ونوقشت في أكثر من مرة وطلب حينها معرفة الأسباب والحلول، ولاحظت عضوة جمعية حقوق الإنسان أن من أبرز أسباب عضل الفتيات أو طلاقهن هو الطمع في راتبها من قبل أسرتها أو زوجها، مشيرة إلى تدخل الجميعة أكثر من مرة لإنصاف فتيات يتعرضن للظلم من قبل أوليائهم وأزواجهم.
ودعت زين العابدين، إلى ضرورة العمل على دراسات ومبادرات على أرض الواقع لإيجاد حلول عملية لمشكلتي الطلاق والعنوسة في المجتمع.
وأوضح عضو هيئة حقوق الإنسان عضو هيئة كبار العلماء الدكتور أحمد السير مباركي، أن الهيئة بصدد عمل دراسة عن ارتفاع نسب الطلاق والعنوسة في المجتمع بالتعاون مع بعض المراكز البحثية في الجامعات والجمعيات الاجتماعية.
ويؤكد المشرف على مركز الأمير نايف للبحوث الاجتماعية والإنسانية، والمشرف على كرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية الدكتور سعيد الأفندي وجود قصور في الدراسات والبحوث وتضارب بينهما في بعض الأحيان، وأضاف «نملك في المركز وحدات متخصصة بالأسرة وبالشباب والباحثون بالمركز قائمون على مشاريع بحثية متعلقة بقضايا لها صلة بالأسرة وبالزواج وبطرق تحسين فرص استمرار الحياة الزوجية»، مؤكدا على أن المركز على تواصل مع بعض الجهات التي لها علاقة بخدمة الأسر والمجتمع من أجل إقامة علاقات تعاون مثمرة في مجال تنمية الأسرة.
وأشار الأفندي إلى أنهم أعدوا دراسة علمية موثقة، أقيمة برعاية ودعم الوقف العلمي بجامعة الملك عبد العزيز حول أسباب العنوسة وطرق علاجها في المجتمع السعودي، داعيا في الوقت نفسه الجميعات الخيرية والمجتمعية والتطوعية ولجان إصلاح ذات البيات للقيام بدورها، مشددا في الوقت نفسه على دور المأذونين الشرعيين.
توسيع الصلاحيات
ويشير المأذون الشرعي الدكتور أحمد المعبي أن المأذون يجتهد في التوفيق بين الأزواج للقضاء على العنوسة وإقناع أولياء أمور الفتيات بتزويجهن، مؤكدا أنه لايملك في الوقت الحالي صلاحيات لحل الخلافات الأسرية، مشيرا إلى أن وزارة العدل وعدت سابقا بتوسيع صلاحيات المأذونين الشرعيين بالتواصل مع الزوجين بعد الزواج لمحاولة التوفيق بينهما في حال وجود خلاف، مؤكدا أن توسيع صلاحيات المأذونين ستحد من انتشار الطلاق في المجتمع، ولاحظ المعبي، أن بعض الزيجات تفشل بسبب إصرار المرأة على العمل والاعتماد على الخادمات، داعيا الأسرة بتوعية أبنائها وبناتها قبل الزواج، وشدد على دور لجان إصلاح ذات البين في حل الخلافات الأسرية قبل أن تنتهي بالطلاق.
ويدافع عضو لجنة إصلاح ذات البين الشيخ عبد العزيز بن غبيش الغامدي عن دور اللجنة، مؤكدا أنها خطت خطوات فعلية من خلال تزويج الكثير من الشباب والفتيات عبر جمعية مساعدة الشباب على الزواج، مبينا أن اللجنة استطاعت حل كثير من الخلافات الأسرية ومنعت حالات طلاق عديدة، مشددا على ضرورة منح صلاحيات أكبر للجان إصلاح ذات البين.
ممتدحا في الوقت نفسه قيام الجميعات الاجتماعية والتطوعية بعمل دورات للمقبلين على الزواج، داعيا لتكثيف هذه الدورات وتنظيمها.
دورات مكثفة
وتوضح رئيسة الهيئة الاستشارية لجمعية شقائق في جدة، ألماس الهجن دور جمعيتها في توعية النساء المقبلات على الزواج والتواصل معهن لحل مشاكلهن، مؤكدة أنهن استطعن حل كثير من الإشكاليات.
وأردفت الهجن قائلة «منذ أن أنشئت الجمعية ونحن حريصون على وضع آلية مدروسة لعلاج مشكلات الطلاق وتأهيل الفتيات حتى تستمر حياتها بشكل صحيح، وذلك من خلال بعض الدورات في طريقة فهم الزوج والتعامل معه، واكتساب المهارات الأسرية».
وأبانت الهجن أنهن نظمن دورات عديدة للفتيات المقبلات على الزواج، واخرى للمتزوجات حتى تتجدد الحياة الزوجية وتقلل من الفتور في العلاقة.
وأشارت إلى أن الجميعة نظمت ورشا عديدة لمناقشة قضايا للطلاق، خلصت إلى أن من أهم أسباب انتشار الطلاق عمل المرأة مع إهمال الزوج والبيت.
واستهجنت الهجن إطلاق كلمة عانس على الفتاة التي تجاوزت الثلاثين ولم تتزوج، مؤكدة على أنها كلمة تجرح الفتاة نفسياوتؤذيها، مشددا على دور جميعات مساعدة الشباب على الزواج في التيسير على الشباب. ودعت الهجن الشؤون الإسلامية ووزارة الإعلام بعمل حملات توعوية تحذر من خطورة تفشي الطلاق، وضورة تحصين الشباب والفتيات بالزواج.
الزواج الجماعي
وهنا أفصحت الجمعية الخيرية للزواج والتوجيه الأسري في جدة عن دورها في القضاء على العنوسة على لسان نائب مدير الجمعية عبدالله المحمدي، مبينا أن الجميعة وضعت هدفا استراتيجيا لها، هو تيسير الزواج وتذليل كافة العقبات والصعوبات ليتسنى للشباب والفتيات من إكمال نصف دينهم وبالتالي نحد من ظاهرة العنوسة المتنامية في المجتمع.
وأضاف «شرعت الجمعية بخطوات ومشاريع وبرامج عملية للحد من ظاهرة العنوسة، تمثلت أولا بافتتاح أول قسم للتوفيق بين الشباب والفتيات على الزواج في جمعيات الزواج في المملكة بأسلوب دقيق ومنظم يراعى الخصوصية والأمانة، ويسهل على الشاب والفتاة إيجاد شريك أو شريكة حياته»، مبينا أن عدد الطلبات التي لديهم للتوفيق بلغت (7361) شابا وفتاة وعدد حالات الترشيح لهذا العام (2826) شابا وفتاة. ولفت المحمدي إلى أن من المشاريع المهمة للقضاء على العنوسة هو مشروع المساعدات المالية والعينية، والتي تقدمها الجمعية بشكل أسبوعي يستفيد منها ما يقارب 80 شاب وفتاة أسبوعيا بعد تأهيلهم للحياة الزوجية، وهو شرط أساسي للحصول على المساعدة المالية والعينية كجرعة وقائية ضد حالات الطلاق، مؤكدا على أن الجمعية حريصة على عدم انتشار ظاهرة الطلاق، وذلك بالتأهيل والتثقيف للزوجين قبل دخولهما الحياة الزوجية. وشدد المحمدي، على أن من المشاريع القوية في الحد من ظاهرة العنوسة مشروع الزواج الجماعي، مشيرا إلى استفادة (6670) شابا وفتاة في محافظة جدة مما حذا بمحافظات ومناطق المملكة المختلفة تبني فكرة الزواج الجماعي، لافتا إلى أن الجمعية استطاعت تزويج ( 55.000 ) ألف شاب وفتاة حتى الآن لتحقيق بذلك الأفضلية.
حملات توعوية
وأشار المحمدي إلى أن هناك تنسيقا بين 37 جميعة ولجنة في المملكة تشترك في المشاريع والبرامج التي تساعد الشباب والفتيات على الزواج، مطالبا وسائل الإعلام والشؤون الإسلامية بالقيام بدورها في التوعية.
ويدافع رئيس لجنة تقييم الائمة والخطباء في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض الدكتور عزام الشويعر، عن دور الأئمة والخطباء في توعية الناس بآثارة وخطورة الطلاق وفضل تزويج الشباب والفتيات وتحصينهم من الوقوع في الفواحش، مما ينعكس ذلك على المجتمع بشكل إيجابي.
من جهته رحب المشرف العام على التلفزيون المستشار في وزارة الثقافة والإعلام عبد الرحمن الهزاع بمشاركة وسائل الإعلام بأي حملة تدعم الحد من الطلاق والعنوسة، مؤكدا على أنهم يحرصون في كافة برامجهم الإذاعية والتلفزيونية على إفراد مساحة لمناقشة هذه القضايا، باستضافة المختصين والباحثين وتوعية المجتمع بالثقافة الأسرية الصحيحة.